کد مطلب:323837 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:248

البهائیة.. و التبشیر الصلیبی
رابعا: و قد یتساءل البعض.. اذا كانت البهائیة تحقق أهداف المخطط الصهیونی.. فما شأن الاستعمار الأوربی و هو استعمار صلیبی؟!

الاجابة علی هذا السؤال تتلخص فی اتفاق الأهداف بین المخططین منذ زمن طویل؛ و كل منهما یتصور أنه یوظف الآخر للعمل لحسابه الشخصی؟ و یتحین الفرصة للقضاء علی غریمه فی الوقت المناسب.

فالاستعمار الصلیبی؛ مثلا هو الذی أید دعوة الباب ثم البهاء فی ایران؛ و فیما یلی نص و ثائقی یوضح المآرب المشتركة فی هدم الكیان الأسری المسلم؛ كتبه [1] أ. لو. شاتلیه A. Le Chatelet فی كتاب «الغارة علی العالم الاسلامی»: La Conquete du Monce Musulman.

«... و بعد أن انتهی البحث عن الحالة فی السلطنة العثمانیة انتقل المؤتمر الی البحث فی الانقلابات السیاسیة فی فارس فألقی القسیس (اسیلستین) الذی مضی علیه 23 سنة فی هذه البلاد تقریره فی هذا الموضوع فوصف الحالة الحاضرة السیاسة و الحركة الاجتماعیة فی فارس و قال: ان عصر الحریة الدینیة سیزید فی عدد البابیین أو البهائیین، و انه یوجد ألوف من الفارسیین ینبذون الاسلام و یندمجون فی بعض المذاهب أو یظلون بلا عقیدة دینیة فظهر علی أثر ذلك توتر فی العقائد الدینیة الاسلامیة فی كل أقالیم فارس و هذه حملت صاحب التقریر علی القول بأن الاسلام ینحط فی فارس و قال: ان أعمال التشیر فی هذه البلاد
توجب مزیدا من الحیطة و التستر نظرا للأحوال الخاصة التی یمتاز بها فارس و هو یشیر علی المبشرین ببذل قصاری الجهد للاقناع و استجلاب القلوب الا أنه یحذرهم من السب فی الاسلام أو ذكر انحطاطه من حیث أصوله الدینیة، خصوصا و أن موقف الفارسیین تجاه المبشرین هو موقف حسن فی الغالب اذ كثیرون منهم یرغبون فی تربیة أولادهم فی مدارس المبشرین مع علمهم أنهم یتعلمون الانجیل لكن هذه الرغبة لا تدل علی أنهم یودون اعتناق المسیحیة بل ان تشوقهم الی التعلیم صادر عن علمهم انه هو الدواء الناجح لاتقاء الصعاب التی نتخبط فیها فارس الآن فهم لا یرغبون فی المسیحیة بل جل ما یتوخونه هو اقتباس مبادی، الحضارة العصریة» [2] .

هذا ما كتبه المسیو شاتلیه فی مطلع هذا القرن؛ و فی كتابه «الغارة علی العالم الاسلامی» نقرأ كذلك هذا النص الوثائقی: «و یرجع عهد التبشیر فی بلاد فارس الی سنة 1811 و سنة 1834 حیث ابتدأ المبشرون الامریكیون بالتبشیر بین النسطوریین ثم بین المسلمین و قد اتضح للمبشر (یروس) سنة 1869 أن المسلمین فی أصفهان یمیلون الی المجادلات الدینیة فجاء الی (جولفة) و مكث فیها حتی فتح مدارس. ثم شدت أزره جمعیة التبشیر الكنسیة الانجلیزیة و اتسع بذلك تطاق التبشیر اذ أسست مدارس و مستشفیات ضمنها مستشفی للبنات. و فتحت مدرسة للبنات فی أصفهان.

«و قد قالت الجمعیة ان الثورة الفارسیة مهدت السبل للحصول علی حریة الأدیان، الا أن نفوذ العلماء لم یزل ثابتا و الفوضی منتشرة فی عرض البلاد حیث یدأب الأشرار و السلابون علی قطع طرق المواصلات» [3] .

و تاریخ التبشیر فی فارس تاریخ لافت للنظر؛ ذلك ان عهده كما جاء
فی كتب أصحابه یرجع الی سنة 1811 و سنة 1834؛ و بین هذین التاریخین ولد میرزا علی محمد الشیرازی سنة 1820 م. و انعقد مؤتمر «قرةالعین» فی بیداء «بدشت» الواقعة علی نهر «شاهرود» بین «اخراسان» و «مازندران» فی یونیو 1848 م، و الذی حضر فیه جمیع زعماء البابیة و أقطابها و كانوا زهاء واحد و ثمانین شخصا [4] من بینهم أم سلمی رزین تاج قرةالعین التی أشرنا الیها فیما سبق؛ و بطلة هذا المؤتمر و مدبرته الحقیقیة [5] .

و قبل أن نواصل مناقشة هذا المؤتمر لأهمیته بالنسبة للمرأة؛ ننظر فی التاریخ اللافت للنظر بین اقتران البابیة و البهائیة و التبشیر فی مرحلة زمنیة واحدة؛ هل جاء الاقتران التاریخی مجرد مصادفة؟ أم أن التوقیت كان محسوبا بدقة لهدم الاسلام؛ و هدم كیان الأسرة الانسانیة عامة.

نعود الی النصوص الوثائقیة فی كتاب «الغارة علی العالم الاسلامی» لنقرأ ما یلی: «و أوسعت جمعیة التبشیر الكنسیة مكانا من تقریرها لمقدمة صغیرة استهلت بها أقوالها عن البلاد الاسلامیة، و ذكرت فیها مزایا الدین الاسلامی من حیث الاعتقاد بوحدانیة الله تعالی ثم بحثت فی هذه الوحدانیة فقالت: انها تحتك من بعض الأوجه بمذهب اللا أدریة و من وجه آخر بمذهب وحدة الوجود القائل ان الله و الكون واحد! و تقرب أیضا من مذهب تعدد الآلهة و الشرك! حتی ان لهذه العقیدة صلة بالمذهب الحیوی القائل بوجود روح فی نفس الحیوان و وجود عامل حر فی النبات و الجماد و ان هذا هو علة الأعمال الحیویة و لا تأثیر للقوی الكیماویة أو المادیة و تقول أیضا انه یجب أن ینكر علی الاسلام سماحه لكل مسلم أن یعمل ما شاء لأنه سیكون فی آخر الأمر مظهرا للرحمة الالهیة. و قالت: ان فی الاسلام عیبا فاحشا و هو حطه من شأن المرأة!» [6] و دعمت ما عزته الی
الاسلام بما تدعیه البابیة و البهائیة؛ و كأنما كانت قرةالعین تمهد السبیل أمام التبشیر ضد الاسلام..

تلك هی حقیقة البهائیة؛ و ما تریده من هدم لكیان الأسرة المسلمة؛ و الأمة الانسانیة؛ و نذكر هنا ما كتبه المستشرق الانجلیزی براون؛ و هو معروف بحبه للبابیین؛ مما أفاد منه المبشرون كثیرا فی مطاعنهم ضد الاسلام؛ و لا سیما ما یخص المرأة و مكانتها فی الاسلام.. یقول هذا المستشرق: «ان المؤرخین البهائیین حذفوا بعض وقائع مؤتمر بدشت من الكتب التی ألغوها فی تاریخ البابیین. و منها المطاعن التی طعن بها المسلمون و شنعوا علیهم من الحركات الشنیعة و الأطوار الغریبة التی ما جعلت المسلمین وحدهم أن یهجموا علیهم و یقولوا فیهم ما قالوه بل البابیون أنفسهم قبحوا تلك الأفعال حتی ان الملآ حسین البشروئی الملقب بجناب باب الباب قال: «أنا أقیم الحد علی المجتمعین فی بدشت». و هذا دلیل صدق علی أن القذف الذی یقذف به المسلمون البابیین من الاباحیة و الاشتراك فی النساء و غیر ذلك لیس بافتراء محض و بهتان صرف أتی المسلمون به عداوة و اختراعا بل كان هنالك أشیاء فقالوها، و ارتكب الناس أمورا فأنكروها» [7] .

و من تلمیحات المرزة جانی الكاشانی؛ یتضح لنا كیف بدأ مخطط هدم الكیان الأسری فی مؤتمر بدشت: «ان قرةالعین لما فرت من (قزوین) بعد قتل عمها الی خراسان و وصلت الی (شاهرود). ففی نفس الوقت وصل جناب الحاج - محمد علی القدوس - من (مشهد) و صارا مصداق (و جمع الشمس و القمر) لذلك لما اقترن سماء المشیئة (القدوس) بأرض الارادة (قرةالعین) ظهر أسرار التوحید!!! و سر العبادة، و ارتفع الحجاب، حجاب الكثرة عن وجه المعشوق المقصود...!!! و اعطیا كؤوسا من جوهر الخمر لذة للشاربین حتی فقدت جماعة
شعورها من و فور السرور و النشوان و تغنوا بألحان بدیعة و ظهر معنی (هتك السر لغلبة السر) و تجاوبت أصواتهم الفرحة المسرورة ببصائر السموات السبعة» [8] .

و نقل البستانی عن السید جمال الدین الأقغانی و هو یذكر مؤتمر بدشت: «فوقع الهرج و المرج و فعل كل من الناس ما كان یشتهیه من القبائح» [9] .

و من أجل ذلك «هجم علیهم المسلمون من أهل القری المجاورة لهذه البیداء و قلعوا خیامهم و جرحوهم و نهبوا أموالهم و طردوهم من هناك» [10] و یذكر الكاشانی اكثر من ذلك و یقول: «افترق الناس فی بیداء «بدشت» بجماعات، جماعة افتقدوا شعورهم فی تلك البیداء النقیة الجمیلة، و طائفة تحیرت، و فریق جن جنونهم، و فرقة فرت من قیلهم و قالهم، فاضطرب الأهالی المجاورون لتلك البیداء من أحوالهم و حركاتهم لما رأوا منهم أمورا لم یروا مثلها من أحد غیرهم، فهاجموهم لیلا و أغاروهم و رجموهم بالأحجار الكثیرة الثقیلة، فتفرقوا وهب كل واحد من هناك الی جهة، فذهب جماعة الی «أشرف» و جمع الی «آمل» و البعض الی «بار فروش» و سافر القدوس خفیة من الناس الی «بار فروش» ایضا و سافرت القرة معه، ثم ارتحلت الی «نور» قریب من «طبرس» (قریة حسین علی البهاء) فانتشرت أخبارهم الصحیحة منها و الغیر الصحیحة فی مازندران كلها و سارت سببا لفضیحتهم و ذلهم» [11] .

و «سافرت قرةالعین مع البار فروش الشاب المحبوب الی مازندران فی هودج واحد أعده حسین علی البهاء لهما، كما كانت القرة تعطی قصیدة غزلیة یومیا للحداة كانوا یتغنونها فی السفر» [12] .
و یقول آواره «و اذا ثبت ان السیدة سافرت حقیقة الی (خراسان) فلابد و أن یكون ذلك مع حضرة القدوس، فانه الوحید الفرید الذی كانت تلك الزهراء تعتمد علیه و تركن الیه فی بث أسرارها و مكنونات اطلاعاتها، و لم یتحاش مؤرخو البابیة ذكر هذه الرحلة الا تفادیا عن وهم الواهمین و قطعا لدابر أقوال المفترین و أفكارهم الساقطة المنحطة» [13] .

و «دخلت معه فی قریة (هزار جریب) فی حمام واحد للاستحمام، و لما سمع أهل القریة ما هم علیه من الفجور العلنی و عدم العفة و الحیاء، و الجهر باقتراف الكبائر هجموا علیهم جماعات و وحدانا فقتلوا البعض و مزقوا جمعهم الباقی و شتتوا شملهم، ففر كل واحد علی وجهه مرة أخری لا یعرف الثانی طریقه، كما افترقت هذه... أیضا من عشیقها و زمیلها فی الخلوة و الجلوة» [14] .

و فی هذا المؤتمر قالت قرةالعین بین جماعة الأصحاب: «ان ارتداد النساء فی الشریعة الاسلامیة لا یستوجب حد القتل، بل یستلزم بذل النصائح اللازمة لهن و استتابتهن و تفهیمهن ما یرجع الی ورود التوبة و الایمان، فلا یتعسر علی اذن أن أمیط اللثام و ارفع الستار عن أسرار هذه المسائل حین غیاب القدوس عن باحة المجلس، حتی اذا وقعت تصریحانی موقع القبول و صادفت محل الاستحسان من الأحباب ثم المرام و بلغنا الغایة، و لا فعلی القدوس أن یباشر نصحی لأعود عن هذا الجنون، و أنفض الید من الكفر و أتوب و أرجع الی أحضان الاسلام، فاستحسن الأصحاب هذا الاقتراح - و لبثوا یتحینون سانح الفرص الی أن ألم بحضرة بهاء الله زكام، و تمارض القدوس «من أجل العرض المسرحی لهدم قواعد الاسلام»، فعند ذلك شرعت الطاهرة فی تفهیم الأحباء حقیقة المقصود، و كشف السر المكنون من تبدیل الفروع و تغییر الأحكام، فلما رنت فی آذان
الجمیع هذه التصریحات دار التهامس و التناجی بینهم، ففریق أعجب بأفكارها، و آخر أخذ بأطراف انتقادها» [15] .

و یذكر «آواره» فی «الكواكب الدریة فی مآثر البهائیة» أن «حضرة بهاء الله (حسین علی) تدخل فی المسألة و تلا سورة (الواقعة) و أخذ فی تفسیرها و تأویلها و أفاض فی شرحها و بیانها و ان القرآن نفسه أشار الی ذلك (النسخ و التغییر) و أنبأ بوقوعه حتی اطمأنت قلوب الجمیع و علموا بأنه لابد من وقوع هذه الواقعات و حدوث هذه الحادثات كلها» [16] .

و یقول آواره ایضا: «و فی خاتمة المجلس تقرر تحریر هذه المسألة الی حضرة الباب فی «ماه كو» و التماس اصدار الحكم الفاصل الجازم منه فیها، و هذا ما قد كان، و مما علم فیما بعد و تبین ان خواص الاحباء كانوا علی حق، و ان رأی حضرة بهاء الله كان متفقا مع حكم حضرة الباب علی وجوب تغییر الشریعة، و ان القدوس و باب الباب و الطاهرة! كانوا أیضا قائمین علی سواء السبیل و جادة الیقین فی ادراكهم و فهمهم أسرار الأمر» [17] .

خامسا: السؤال الآن: لماذا اقترن عند البابیین و البهائیین تنزیل البیان و نسخ القرآن كما یزعمون بمؤتمر قرةالعین الاباحی؟ و الاجابة تتلخص فی هدم الكیان الأسری أو «تدمیره» علی حد تعبیر بروتوكولات حكماء صهیون. و هو الكیان الذی نظمت النصوص الاسلامیة مجتمعه من حیث العلاقة بین الزوجین، و علاقة الآباء بأولادهم، و ربطت ما بین الأقارب، و فصلت الحقوق و الواجبات لكل واحد قبل أقاربه الأقربین و غیرهم، و تعرضت للواجبات الأدبیة و الحقوق
المادیة، فنظمت التوارث، و تصدت لبیانه علی نحو ما نجد تفصیلا فی القرآن الكریم، و نظمت العلاقة بین الفقیر و الغنی فی الأسرة، فأوجبت علی الغنی النفقة علی الفقیر، و جعلت أساس الحقوق و الواجبات فی الأسرة المودة و الرحمة و التواصل، و بینت أنها اذا فقدت الرحمة أو المودة تقطعت أوصالها، و غیر ذلك مما سنناقشه فی الفصل التالی.

[1] انظر لشاتليه: الغارة علي العالم الاسلامي، ترجمة محب الدين الخطيب و مساعد الباقي، ص 75.

[2] الحصين، المرأة و مكانها في الاسلام، ص 76.

[3] نفسه، ص 92.

[4] مطالع الأنوار، ص 231.

[5] احسان الهي ظهير: البابية، ص 56.

[6] الغارة علي العالم الاسلامي، ص 92.

[7] بروفسور براون: مقدمة نقطة الكاف ص «ما» و «سب».

[8] نقطة الكاف ص 144 - للبابي المقتول في البابية المرزة جاني الكاشاني.

[9] دائرة المعارف للبستاني، ص 28 ج 5.

[10] الكواكب ص 131 ط فارسي.

[11] نقطة الكاف، ص 154.

[12] مطالع الانوار، ص 298.

[13] الكواكب، ص 227.

[14] مفتاح باب الأبواب، ص 181.

[15] احسان الهي ظهير: السابق، ص 82 نقلا عن الكواكب الدرية في مآثر البهائية لعبد الحسين آواره، ص 129 ط فارسي.

[16] المرجع السابق، ص 218 ط عربي.

[17] نفسه، ص 219.